قصة قصيرة ( الباغية)
الباغية
كُل يومٍ هو مُحاكٌ من قِبل القدر، القدر هو الخياط الوحيد الذي لا يخطأ في أخذ القياس هو الوحيد الذي لا يغفل عن الإبرة و الخيط و المقص.
كُل خطوة ، كُل دمعة و بسمة و صراخ و بكاء، منذ البكاء الأول وحتى الدمعة الأخيرة.
يكون قد رتب الألوان كما يريد هو وعلى ذوقه.
لا يستطيع أحد أن يمنعه عن عمله وأن كنا غير راضين به.
نعم إنه القدر لا سواه.
من بين كل مئة شخص يوجد بالكاد شخص واحد يستحق أن نُجادله، أما بالنسبة للآخرين، فلنتركهم يقولون مايريدون لأن من حق الناس أن يهذوا .
-آرثر شوبنهاورليكن كُل شيء مختصراً كما أرادته هي ذات الرداء الممزق.
ليلتها كُنت عائداً من المؤتمر التدريبي الذي أقامته شركة ( فينيكس) PHOENIX4MARKETING ومنظمة ال BAMBOO
بتاريخ 4-10-2018 اسطنبول !
وهو كان اليوم الثاني من ذلك النجاح الرائع والعظيم.
وإنها كانت من أجمل الأيام التي قضيتها بصحبة شركائي وأصدقائي من مختلف الدول العربية.
أنا شيء و لا شيء، حاولت أن أكون ذاتي بعيداً عن فلسفات الناس المملة و المكررة حاولت أن أكون أنا الفلسفة الجديدة لهذه الحياة.
عبثا حاولت و لكن المذهب الذي كنت عليه أنا لم يقبل أن أتركه.
أبن الخامسة و العشرين من ربيع عمري.
أخذت من أعمار الكثير و نفيت الكثير لبلادٍ لم تأويهم.
في تلك الليلة أضعت الطريق وصعدت بأوتبيس خاطئ وكذلك المترو .
وصلت ميناء قاضي كوي Kadı Köy الساعة التاسعة.
وقد أنهكني التعب وا ويلاه
أسرعت لأقف في محطة الأتوبيس لكي لا أتأخر.
وأستوقفتني فتاة في منتصف الطريق.
ذات الرداء الممزق.
- عُذراً سيدي هل أجد لديك سيكارة؟
- لا يا إختي، لا أدخن.
أعزريني أنا على عجلةٍ من أمري عليّ الذهاب.
- إنتظر سيدي ،يوجد لدي مكان يفيدك وفيه ما تشتهي قلبك وتستلذ به.
- ههههه شكراً لا أريد
أكملت مسيري وأتبعتني ملحة بطلبها
رفعت يدي عالياً مشيرياً لها بأصبعي إني خاطب ولدي حبيبة
ولم أكن مخطوباً حينها ولكنني فعلت ذلك لأتهرب منها.
تسمرت أمامي ونظراتها تلك أربكتني ظننت إن كل العيون تلتهمني بنظراتها.
- لما أنت مستعجل؟
- لقد تأخرت على عائلتي
- والذين مثلي لا عائلة لهم ماذا يفعلو؟
- لا أعلم.
- لما أنتم الأغنياء دائماً مغرورون ومتكبرون.
أعطونا قليلاً مما عندكم
نحن نبيع أجسادنا لكم ومع ذلك تبزقون عليه وكأنه جيفة نتنة
ولو كان بيدكم لما رحمتم جسدنا ولكن ماذا ستفعل بجسدٍ هزيل مثل جسدي وأنت بمالك تستطيع أن تجعل أجمل النساء عند قدمك.
- هههههههه كل هذا الكلام لي أنا؟
هل تعرفين من أنا وما هو وضعي وما أكونه بالنسبة لهذه المدينة الكبيرة؟
انا ياسيدة إنني صفرٌ على الشمال
أنا لا شيء
غريبٌ آوته هذه البلاد
جائعٌ عمل حتى أشبع نفسه بالحلال.
أنا فقيرٌ وأنتِ أغنى مني.
لا تنظري لشكلي وملابسي لإنني دفعت المال لكي أجني المال ولكن مع الاسف.
ظلمتيني بكلامك.
- هل تظن أيها السيد إننا عندما نعطي شرفنا للغني نخرج من عنده أغنياء
لا أبداً، بل يشتمنا ويهيننا وهو لا يرحمنا
يستلذون بجسدنا
إنهم يعذبوننا مقابل 100
ليرة.
- ولما لا تعملين بشيء يخلصك من هذا العذاب؟
- إننا منبوذون في هذا المجتمع
أنت لا تعلم عن أزقة هذه المدينة شيء
أسئلني عنها وعن الأسرار التي تخبئها تلك العتمة.
إنظر حولك كم فتاة هي مثلي هنا في هذا الميناء.
أصبحنا مدمنون على الجنس والعذاب والضرب والذل.
نحن والبهائم لم نعد نفرق عن بعض.
- لماذا تخبريني بكل هذا الشيء
لما لا تحررين نفسكِ من هذه العبودية خلصي نفسك من العذاب.
- ما أسهل الكلام أيها السيد
أجلس قليلاً أرجوك تعبت من الوقوف.
طاوعتها وجلسنا في منتصف الساحة ولم أعد أبالي بنظرات الناس وأقوالهم.
- هل فكرت لمرة واحدة بحال هذه الشجرة التي تقف هنا منذ مئة عام.
إنها تفكر بالأستلقاء ولكن الأمر معقد
عندما تتجرد من طبيعتها ستسلتقي
كذلك نحن.
ماذا عساي أن أقول لها لأجبر كسر قلبها
وأن لم أستطع أن أجبره كله
فجزءاً منه يكفي.
- أتعلمين ؟
إننا نتشابه في الأمر ذاته
- ههههه يا هذا أنت رجل وأنا أمرأة كيف نتشابه؟
- ليس في الجسد وإنما الألم
لابأس ان نتألم قليلا"..الالم أحيانا"يعيدنا للطريق الصحيح.
- ولكن الطريق مازال بعيداً لنصل للنهاية أو أن نخطو في أوله.
إثرَ الفواجع نستيقظ إن كنا لازلنا نعد بشراً .
- ما هو أسمك؟
- لو لم نتحدث الآن ماذا كنت ستسميني؟
قلها بصراحة.
ولعلك كنت ستخبر أصدقائك عن الأمر وكنتم ستستهزئون وتشتمون وأبقى أنا وتبقون أنتم.
أليس كذلك؟
- كُنت أسميكي الباغية لإنك تبغين كل شيء وفي الوقت ذاته لا شيء.
نعم طبيعتنا هذه سنخبر أصدقائنا المقربين عنكِ وكيف إنني رفضتكِ.
سأكون البطل لرواية أنا كاتبها وأجعلك تلك الكذبة البيضاء.
قالتها قبلي ميادة الحناوي :
كذبك حلو
هذا الميناء نحن هنا اليوم ولا نكون غداً
ولكن نحن نقرر كيف نكون اليوم وغداً وبعد غد.
إنكِ بغيتي وأنا أبغى
ولكن كُلٌ منا يبغي الشيء الذي به يُكمل مسيرة حياته.
لا أعلم ما أسمك ولكنكِ ستبقين في هذه الذاكرة ومع الأيام سأكتب إسمك الباغية على أوراقي.
أنا البطل وأنتِ لا شيء.
هناك أشياء كلما تأخرت أكثر تصبح أجمل وتتزين أكثر وتصبح تاريخاً
مثلاً
"الوجود وعدمه ، الحماية، اليقين، الحب الذي يمشي في العروق والاوردة ويتعايش مع الدم "
ولكي تثمر شجرتنا يتوجب علينا ألا نغفل عن شيء وذلك بجعل الصدق الجذر و الأساس لهذه الأشياء ..
في التفاصيل يبدو كل شيء بسيط بالنسبة لعابر سبيل ولكن عندما تكون محور التفصيل وبمجرد حركة منك ستكون في دوامة لن يفهم أبعادها الحقيقية إلا أنت باعتبارك العمود الفقري للدوامة وفي هذا الموضع تكمن المصيبة عندما يكون العمود الفقري مجرد من فقراته وعندها أي صدمة ستتسبب في شلل وهنا التأثير يكون في عمق الاحساس.
نصف ساعة أو ساعة قضيتها معها ومع صديقي ومع البائعة ومع غيرهم ولكن هي كما سابقتها لحظات لا أكثر.
"هذه المرّة كما سابقها حقاً لا أعلم ما الذي يعنيه هذا الشُعور، ولا أعرف كِيف سيستقر.
💚💙💜
ردحذف💜💜
حذف💜💙💚
ردحذف💜💜
حذف